فصل: قيام الذر بدعوة غياث الدين محمود ابن السلطان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  غزوة بناوس ومقتل ملك الهند

ثم فتح بهنكر كان شهاب الدين ملك غزنة قد أمر مملوكه قطب الدين آيبك خليفته على دلهي أن يغزو بلاد الهند من ناحيته فسار فيها ودوخها وعاث في نواحيها‏.‏وسمع ملك بناوس وهو أكبر ملوك الهند وولايته من تخوم الصين إلى بلاد ملاوا طولاً ومن البحر الأخضر إلى عشرة أيام من لهاور عرضاً‏.‏وتلك البلاد من أيام السلطان محمود مقيمون على إسلامهم فاستنفر معه مسلمون كانوا في تلك البلاد فسار إلى شهاب الدين سنة تسعين والتي على ماحون نهر كبير يقارب دجلة فاقتتلوا ونزل الصبر‏.‏ثم نصر الله المسلمين واستلحهم الهنود وقتل ملكهم وكثر السبي في جواريهم والأسرى من أبنائهم وغنموا منهم تسعين فيلاً‏.‏وهرب بقية الفيول وقتل بعضها‏.‏ودخل شهاب الدين بلاد بناوس وحط من خزائنها ألفاً وأربعمائة حمل وعاد إلى غزنة ثم سار سنة إثنتين وتسعين إلى بلاد الهند وحاصر قلعة بهنكر حتى تسلمها على الأمان ورتب فيها الحامية‏.‏وسار إلى قله كواكير وبينهما خمس مراحل يعترضها نهر كبير فحاصرها شهراً حتى صالحوه على مال يحملونه فحملوا إليه حمل فيل من الذهب فرحل عنهم إلى بلاد أبي رسود فأغار ونهب وسبي وأسر وعاد إلى غزنة ظافراً‏.‏

  استيلاء الغورية على بلخ وفتنتهم مع الخطا بخراسان

كان الخطا قد غلبوا على مدينة بلخ وكان صاحبها تركياً اسمه أزبة يحمل إليهم الخراج كل سنة وراء النهر‏.‏فتوفي أزبة سنة أربع وتسعين‏.‏وكان بهاء الدين سام بن محمد بن مسعود صاحب باميان من قبل خاله غياث الدين فسار إلى بلخ وقطع الحمل للخطا وخطب لغياث الدين‏.‏وصارت من جملة بلاد الإسلام بعد أن كانت في طاعة الكفار فامتعض الخطا لذلك واعتزموا على فتنة الغورية‏.‏واتفق أن علاء الدين تكش صاحب خوارزم بعث إليهم يغريهم ببلاد غياث الدين‏.‏وكان سبب ذلك أنه ملك الري وهمذان وأصفهان وما بينهما وتعرض لعساكر الخليفة وطلب الخطبة والسلطنه ببغداد مكان ملوك السلجوقية فبعث الخليفة يشكوه إلى غياث الدين يقبح فعله وينهاه عن قصد العراق ويتهدده بسلطان شاه وأخذ بلاده فأنف من ذلك وبعث إلى الخطا يغريهم ببلاده فجهز ملك الخطا جيشاً كثيفاً مع مقدم عساكره وعبروا النهر إلى بلاد الغور‏.‏وسار علاء الدين تكش إلى طوس لحصارها لأن غياث الدين عاجز عن الحركه بعلة النقرس فعاثوا في بلاده ما شاء الله وحاصر الخطا بهاء الدين فاشتدت الحرب وثبت المسلمون‏.‏وجاء المدد من عند غياث الدين ثم حملوا جميعاً على الخطا هزموهم إلى جيحون وألقي الكثير منهم أنفسهم في الماء فهلك منهم نحو إثني عشر ألفاً وعظم الأمر على ملك الخطا وبعث إلى علاء الدين تكش صاحب خوارزم يطوقه الذنب ويطالبه بدية القتلى من أصحابه‏.‏وألزمه الحضور عنده فبعث علاء الدين تكش يشكو ذلك إلى غياث الدين فرد جوابه باللوم على عصيان الخليفة ودعا ذلك علاء الدين إلى الفتنة مع الخطا وانتزاعه بخارى من أيديهم كما يأتي في أخبارهم‏.‏

  استيلاء الغورية على ملك خوارزم شاه بخراسان

ثم توفي علاء الدين تكش صاحب خوارزم وكان قد ملك بعض خراسان وبلاد الري والبلاد الجبالية فولي بعده ابنه قطب الدين ولقب علاء لدين بلقب أبيه وولي علاء الدين أخاه علي شاه خراسان وأقطعه نيسابور‏.‏وكان هندوخان ابن أخيهما ملك شاه فخاف عمه فلحق بمرو وجمع الجموع‏.‏وبعث إليه عمه محمد العسكر مع جنقر التركي فهرب هندوخان ولحق بغياث الدين مستنجداً به على عمه فأكرمه ووعده‏.‏ودخل جنقر إلى مرو وحمل منها ولدخان وأمه مكرمين إلى خوارزم‏.‏وأرسل غياث الدين إلى صاحب الطالقان محمد بن خربك بأن يتهدد جنقر فسار من الطالقان واستولي على مرو الروذ وبعث إلى جنقر يأمره بالخطبة بمرو لغياث الدين أو يفارقها فأساء الجواب ظاهراً واستأمن إلى غياث الدين سراً ، ^? ولما علم غياث الدين بذلك قوي طمعه في البلاد وكتب إلى أخيه شهاب الدين بالمسير إلى خراسان فسار من غزنة في عساكره في منتصف سنة ست وتسعين‏.‏ولما انتهى إلى الطالقان استحثه جنقر صاحب مرو للبلد وأخبره بطاعته حتى إذا وصل إليه خرج في العساكر فقاتله وهزمه شهاب الدين وزحف بالفيلة إلى السور فاستأمن من جنقر وخرج إليه وملك شهاب الدين مرو وبعث بالفتح إلى غياث الدين فجاء إلى مرو وبعث جنقر إلى هراة مكرماً وسلم مرو إلى هندوخان بن ملك شاه المستنجد به وأوصاه بالإحسان إلى أهلها‏.‏وسار إلى سرخس فحاصرها ثلاثاً وملكها على الأمان وأرسل إلى علي شاه نائب علاء الدين محمد بنيسابور وينذره الحرب إن امتنع من الطاعة فاستعد للحصار وخربوا العمائر بظاهرها وقطعوا الأشجار وحمل محمود بن غياث الدين فضايق البلد وملك جانبها ورفع راية أبيه على وحمل شهاب الدين عن الناحية الأخرى فسقط السور بين يديه وملك البلد ونهب الجند عامتها‏.‏ثم نادوا بالأمان ورفع النهب واعتصم الخوارزميون بالجامع فأخرجهم أهل البلد إلى غياث الدين‏.‏ثم سار إلى قهستان فذكر له عن قرية في نواحيها أن أهلها إسماعيلية فدخلها وقتل المقاتلة وسبي الذرية وخرب القرية‏.‏ثم سار إلى مدينة أخرى ذكر له عنها مثل ذلك وأرسل صاحب قهستان إلى غياث الدين يستغيثون من شهاب الدين ويذكرونه العهد فأرسل غياث الدين إلى أخيه شهاب الدين بالرجوع عنهم طوعاً أو كرهاً ووصل الرسول بذلك فامتنع فقطع طنب خيمته ورحل العسكر فرحل شهاب الدين كرهاً ورجع إلى غزنة‏.‏

  فتح نهرواكد من الهند

لما رجع شهاب الدين من خراسان غاضباً من فعل أخيه لم يعرج على غزنة ودخل بلاد الهند غازياً سنة ثمان وتسعين‏.‏وبعث في مقدمته مملوكه قطب الدين آيبك ولقيه عساكر الهند دون نهرواكد فهزمهم آيبك واستباحهم وتقدم إلى نهرواكد فملكها عنوة‏.‏وفارقها ملكها وجمع ورأى شهاب الدين أنه لا يقوم بحمايتها إلا مقامه فيها فصالح ملكها على مال يؤديه إليه عنها ورجع إلى غزنة‏.‏

  إعادة علاء الدين محمد صاب خوارزم ما أخذه الغورية من خراسان

لما فصل الغورية عن خراسان وملكوا ما ملكوه منها وسار شهاب الدين إلى الهند غازياً بعث علاء الدين محمد صاحب خوارزم إلى غياث الدين يعاتبه على ما فعل في خراسان ويطلب إعادة بلده ويهدده باستدعاء عساكر الخطا فصانعه في الخطا حتى قدم شهاب الدين فطمع بالمصانعة‏.‏وبعث إلى نائبهم بخراسان يأمره بالرحيل عن نيسابور ويتهدده فكتب إلى غياث الدين بذلك وبميل أهل نيسابور إلى عدوهم فوعده النصر‏.‏وسار إليه علاء الدين صاحب خوارزم آخر سنة تسع وتسعين فلما انتهى إلى نسا وأبيورد هرب هندوخان ابن أخيه ولحق بغياث الدين في فيروزكوه وملك علاء الدين مدينة مرو‏.‏وسار إلى نيسابور وحاصرها شهرين فلما أبطأ عن نائبها المدد من غياث الدين استأمن لصاحب خوارزم وخرج إليه هو وأصحابه فأحسن إليهم وطلب علاء الدين أن يسعى في الصلح بينه وبين غياث الدين وأخيه فوعده بذلك وسار إلى هراه فأقام بها ولم يمض إلى غياث الدين سخطه لتأخر المدد عنه‏.‏واختص صاحب خوارزم الحسن بن حرميل من أعيان الغورية واستحلفه أن يكون معه عند غياث الدين‏.‏ثم سار إلى سرخس وبها الأمير زنكي فحاصره أربعين يوماً وتعددت بينهما حروب‏.‏ثم بعث ابنه زنكي بأن يتأخر عن البلد قليلاً حتى يخرج هو وأصحابه فتأخر بأصحابه وخرج زنكي فشحن البلد بالأقوات والحطب وأخرج من ضاق به الحصار‏.‏وتحصن فندم صاحب خوارزم على تأخره وجهز عسكراً لحصاره ورجع‏.‏فلما بعد سار محمد بن خربك من الطالقان وأرسل إلى زنكي بأن يكبس العسكر الذي عليه ونذر بذلك أهل العسكر فأفرجوا عن سرخس‏.‏وخرج زنكي ولقي محمد بن خربك في مرو وجبوا خراج تلك الناحية وبعث إليهم صاحب خوارزم عسكراً من الثلاثة آلاف فارس فلقيهم محمد بن خربك في تسعمائة فهزمهم وغنم معسكرهم وعاد صاحب خوارزم إلى بلده وأرسل إلى غياث الدين في الصلح فأجابه مع أمير من أكابر الغورية اسمه الحسن بن محمد المرغني فقبض عليه صاحب خوارزم وحبسه‏.‏ومرغن من قرى الغور‏.‏حصار هراة لما بعث صاحب خوارزم إلى غياث الدين في الصلح وجاء عند الحسن المرغني تبين عنه المغالطة فحبسه وسار إلى هراه وحاصرها وكان بها إخوان من خدمة السلطان شاه تكش فكتبا إلى صاحب خوارزم ووعداه بالثورة له في البلد وكانا يليان مفاتح الأبواب وأمور الحصار من داخل فاطلع الأمير الحسن المرغني المحبوس عند صاحب خوارزم على أمرهما فبعث بذلك إلى أخيه عمر صاحب هراة فاعتقلهما‏.‏وبعث غياث الدين العساكر مدداً لهراة مع ابن أخته ألب غازي فنزل على خمسة فراسخ منها ومنع الميرة عن عسكر صاحب خوارزم فبعث صاحب خوارزم عسكراً إلى الطالقان للغاره عليها فقاتلهم الحسن بن خربك فظفر بهم ولم يفلت منهم أحد‏.‏ثم سار غياث الدين في عساكره ونزل قريباً‏.‏من هراة فاعتزم صاحب خوارزم على الرحيل بعد حصار أربعين يوماً لهزيمة أصحابه بالطالقان ومسير العساكر مع ألب غازي ثم مسير غياث الدين ثم توقعه عود شهاب الدين من الهند‏.‏وكان قد وصل إلى غزنة منتصف ثمان وتسعين فراسل أمير هراة وصالحه على مال حمله إليه وأرتحل عن البلد وبلغ الخبر شهاب الدين وجاء إلى طوس وشتى بها عازماً على حصار خوارزم فجاء الخبر بوفاة أخيه غياث الدين فأثنى عزمه وسار إلى هراة‏.‏

  وفاة غياث الدين وانفراد شهاب الدين بالملك

ثم توفي غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام صاحب غزنة وبعض خراسان وفيروزكوه ولهاور ودهلي من الهند‏.‏وكان أخوه شهاب الدين بطوس كما ذكرنا فسا إلى هراة وأظهر وفاة أخيه وجلس للعزاء‏.‏وخلف غياث الدين ابنا اسمه محمود فلقب غياث الدين‏.‏ولما سار شهاب الدين عن طوس استخلف بمرو الأمير محمد بن خربك وبعث إليه صاحب خوارزم العساكر فبيتهم ولم ينج منهم إلا القليل وأنفذ بالأسارى والرؤوس إلى هراة‏.‏وأعاد إليه صاحب خوارزم الجيوش في منصور التركي فلقيهم على عشرة فراسخ من مرو فهزموه وحاصروه خمسة عشر يوماً حتى استأمن إليهم وخر فقتلوه‏.‏وترددت الرسل بين شهاب الدين وصاحب خوارزم في الصلح فلم يتفق بينهما أمر‏.‏ولما اعتزم شهاب الدين على العود إلى غزنة ولي على هراة ابن أخته ألب غازي وقلد علاء الدين محمد الغوري مدينة فيروزكوه وبلد الغور وجعل إليه حرب خراسان وأمور المملكة‏.‏وجاءه محمود ابن أخيه غياث الدين فولاه على بست وأسفرايين وتلك الناحية وأبعده عن الملك جملة‏.‏وكانت لغياث الدين زوجة مغنية شغف بها وتزوجها فقبض عليها شهب الدين وضربها ضرباً مبرحاً وضرب ولدها غياث الدين‏.‏وزوج أختها واستصفاهم وغربهم إلى بلاد الهند‏.‏وكانت بنت مدرسة ودفنت فيها أباها فخربها ونبش قبور ثم ورمي بعظامهم‏.‏وكان غياث الدين ملكاً عظيماً مظفراً على قلة حروبه فإنه كان قليل المباشره للحروب وكان ذا هيبة جواداً حسن العقيدة كثير الصدقة‏.‏بنى بخراسان وغيرها المساجد والمدارس للشافعية وبنى الخوانك في الطرق وبنى على ذلك الأوقاف الكثيرة وأسقط المكوس‏.‏وكان لا يتعرض إلى مال أحد ومن مات ووارثه غائب دفعه إلى‏.‏أمناء التجار من أهل بلده ليوصلوه إلى ورثته فإن لم يجد تاجراً ختم عليه القاضي إلى أن يصل مستحقه‏.‏وإن كان لا وارث له تصدق عنه بماله‏.‏وكان يحسن إلى أهل البلد إذا ملكها ويفرض الأعطيات للفقهاء كل سنة من خزائنه ويفرق الأموال على الفقراء ويصل العلوية والشعراء‏.‏وكان أديباً بليغاً بارع الخط ينسخ المصاحف ويفرقها في المدارس التي بناها‏.‏وكان شافعي المذهب من غير تعصب لهم ويقول‏:‏ التعصب في المذاهب هلاك‏.‏فتنة الغورية مع محمل بن تكش صاحب خوارزم وحصار هراة ثم حصارهم خوارزم وحروب شهاب الدين مع الخطا لما هلك غياث الدين ملك أخوه شهاب الدين بعده فطمع محمد بن تكش صاحب خوارزم في إرتجاع هراة‏.‏وكان قد راسل شهاب الدين في الصلح فلم يتم‏.‏وسار شهاب الدين عن غزنة إلى لهاور غازياً فسار حينئذ محمد بن تكش إلى هراة منتصف سنة ستمائة وحاصرها وكان بها ألب غازي ابن أخت شهاب الدين‏.‏وطال حصارها إلى سلخ شعبان وقتل بين الفريقين خلق‏:‏ منهم رئيس خراسان المقيم يومئذ بمشهد طوس‏.‏وكان الحسين بن حرميل من أعيان الغورية بجوربان وهو إقطاعه فمكر بصاحب خوارزم وأظهر له الموالاة‏.‏وأشار بأن يبعث إليه فوارس يعطيهم بعض الفيلة‏.‏وقعد لهم هو والحسين بن محمد المرغني بالمراصد فاستلحموهم‏.‏ثم مات ألب غازي وضجر صاحب خوارزم محمد من الحصار فارتحل إلى سرخس وحاصرها وبلغت هذه الأخبار شهاب الدين ببلاد الهند فكر راجعاً وقصد مدينة خوارزم فأغذ محمد بن تكش السير من سرخس ونزل أثقاله وسبقه إليها وقاتله الخوارزمية قتالاً شديداً وفتكوا فيه‏.‏وهلك من الغورية جماعة‏:‏ منهم الحسين بن محمد المرغني وأسر جماعة من الخوارزمية فأمر شهاب الدين بقتلهم‏.‏ثم بعث خوارزم شاه إلى الخطا يستنجدهم أن يخالفوا شهاب الدين إلى بلاد الغورية فساروا إليها‏.‏ولما سمع شهاب الدين كر راجعاً إلى البلاد فلقي مقدمه عسكرهم بصحراء آيدخوي في صفر سنة إحدى وستمائة فأوقع بهم وأثخن فيهم وجاءت ساقتهم على أثر ذلك فلم يكن لشهاب الدين بهم قبل فانهزم ونهبت أثقاله وقتل الكثير من أصحابه ونجا في الفل إلى آيدخوي وحاصروه حتى أعطاهم بعض الفيلة وخلص‏.‏وكثر الأرجاف في بلاد الغور بمهلكه ووصل إلى الطالقان في سبعة نفر وقد لحق بها نائبها الحسين بن حرميل ناجماً من الوقعة فاستكثر له من الزاد والعلوفة وكفاه مهمه‏.‏وكان مستوحشاً مع من استوحش من الأمراء بسبب إنهزامهم عن شهاب الدين فحمله شهاب الدين إلى غزنة تأنيساً له واستحجبه‏.‏ولما وقع الأرجاف بموت شهاب الدين جمع مولاه تاج الدين العسكر وجاء إلى غزنة طامعاً في ملكها فمنعه مستحفظها فرجع إلى إقطاعه وأعلن بالفساد وأغرى بالخلج من الترك فكثر عيثهم وكان له مولى آخر أسمه آيبك فلحق بالهند عند نجاته من المعركة وأرجف بموت السلطان واستولي على المتان وأساء فيها السيرة‏.‏فلما وصل خبر شهاب الدين جمع تاج الدين الذر وهو مملوك إشتراه شهاب الدين الناس من سائر النواحي‏.‏ثم جمع شهاب الدين لغزو الخطا والثأر منهم‏.‏

  حروب شهاب الدين مع بني كوكر والتتراهية

كان بنو كوكر هؤلاء موطنين في الجبال بين لهاور والملتان معتصمين بها لمنعتها وكانوا في طاعة شهاب الدين يحملون إليه الخراج فلما وقع الأرجاف بموته انتقضوا وداخلوا صاحب جبل الجودي وغيره من أهل الجبال في ذلك وجاهروا بالعيث والفساد وقطع السابلة ما بين غزنة ولهاور وغيرها‏.‏وبعث شهاب الدين إلى محمد بن أبي علي لهاور والملتان يأمره بحمل المال بعد أن قتل مملوكه آيبك‏.‏قال‏:‏ ومهد البلاد فاعتذر بنو كوكر فبعث شهاب الدين مملوكه آيبك إلى بني كوكر يتهددهم على الطاعة فقال كبيرهم‏:‏ لو كان شهاب الدين حياً لكان هو المرسل إلينا واستخفوا أمر آيبك فعاد الرسول بذلك فأمر شهاب الدين بتجهيز العساكر في قرى سابور‏.‏ثم عاد إلى غزنة في شعبان سنة إحدى وستمائة ونادى بالمسير إلى الخطا‏.‏ورجع بنو كوكر إلى حالهم من إخافة السابلة ودخل معهم كثير من الهنود في ذلك وخشي على انتقاض البلاد فأثنى عزمه عن الخطا وسار إلى غزنة وزحف إلى جبال بني كوكر في ربيع الأول سنة إثنتين‏.‏ولما انتهى إلى قرى سابور أغذ السير وكبس بني كوكر في محالهم وقد نزلوا من الجبال إلى البسيط يرومون اللقاء فقاتلوه يوماً إلى الليل وإذا بقطب الدين آيبك في عساكره منادين بشعار الإسلام فحملوا عليهم وانهزموا ليقتلوا بكل مكان‏.‏واستنجوا بأجمة فأضرمت عليهم ناراً وغنم المسلمون أهاليهم وأموالهم حتى بيع المماليك خمسة بدينار‏.‏وقتل كبير بني كوكو الذي كان مملكاً عليهم وقصد دانيال صاحب الجند الجودي وسار إليها فأقام بها منتصف رجب وهو يستنفر الناس‏.‏ثم عاد نحو غزنة وأرسل بهاء الدين سام صاحب باميان بالنفير إلى سمرقند وأن يتخذ الجسر لعبور العساكر‏.‏وكان أيضاً ممن دعاه هذا الأرجاف إلى الإنتقاض التتراهية وهم قوم من أهل الهند بنواحي قرى سابور دينهم المجوسية ويقتلون بناتهم بعد النداء عليهن للتزويج فإذا لم يتزوجها أحد قتلوها وتزوج المرأة عندهم بعدة أزواج‏.‏وكانوا يفسدون في نواحي قرى سابور ويكثرون الغارة عليها وأسلم طائفة منهم آخر أيام شهاب الدين الغوري‏.‏ثم انتقضوا عند هذا الأرجاف وخرجوا إلى حدود سوران ومكران وشنوا الغارة على المسلمين فسار إليهم الخلخي نائب تاج الدين الذي بتلك الجهة فأوقع بهم وأثخن فيهم وبعث برؤوس الأعيان منهم فعلقت ببلاد الإسلام وصلح أمر البلاد‏.‏

  مقتل شهاب الدين الغوري وافتراق المملكة بعده

من لهاور عائداً إلى غزنة عازماً على قصد الخطا بعد أن استنفر أهل الهند وأهل خراسان فلما نزل بدميل قريباً من لهاور طرق خيمته جماعة من الدعار فقتلوا بعض الحرس وثار بهم الناس وذهل باقي الحرس بالهيعة فدخل منهم البعض على شهاب الدين وضربوه في مصلاه وقتلوه ساجداً وقتلوا عن آخرهم أول شعبان سنة إثنتين وستمائة‏.‏فيقال إن هذه الجماعة من الكوكرية الذين أحفظهم ما فعل بهم ويقال من الإسماعيلية لأنهم كانوا غلوا منه وكانت عساكره تحاصر قلاعهم‏.‏ولما قتل اجتمع الأمراء عند وزيره مؤيد الدين خواجا سحتا واتفقوا على حفظ المال إلى أن يقوم بالأمر من يتولاه من أهله‏.‏وتقدم الوزير إلى أمير العسكر بضبط العسكر وحملت جنازة شهاب الدين في المحفة وحملوا خزائنه وكانت ألفين ومائتي حمل‏.‏وتطاول الموالي مثل صونج صهر الذر وغيره إلى نهب المال فمنعهم الأمراء الكبار وصرفوا الجند الذين إقطاعهم عند قطب الدين آيبك ببلاد الهند أن يعودوا إليه وساروا إلى غزنة متوقعين البيعة على الملك بين غياث الدين محمود ابن السلطان غياث الدين وبين بهاء الدين سام صاحب باميان ابن أخت شهاب الدين فيملك الخزانة والأتراك يريدون طريق سوران ليقربوا من فارس‏.‏وكان هوى الوزير مؤيد الملك مع الأتراك فلم يزل بالغورية حتى إذا وصلوا طريق كرمان ساروا عليها ولقوا بها مشقة من غارات التتراهية واقعان وغيرهم‏.‏ولما وصلوا إلى كرمان استقبلهم تاج الدين الذر ونزل عن فرسه وقبل الأرض بين يدي المحفة‏.‏ثم كشف عن وجهه فمزق ثيابه وأجد بالبكاء حتى رحمه الناس‏.‏وكان شهاب الدين شجاعاً قرماً عادلاً كثير الجهاد‏.‏وكان القاضي بغزنة يحضر داره أربعة أيام في كل أسبوع فيحكم بين الناس وأمراء الدولة ينففون أحكامه وإن رافع أحد خصمه إلى السلطان سمع كلامه ورده إلى القاضي وكان شافي المذهب‏.‏

  قيام الذر بدعوة غياث الدين محمود ابن السلطان

غياث الدين كان تاج الدين الذر من موالي شهاب الدين وأخصهم به فلما قتل طمع في ملك غزنة وأظهر القيام بدعوة غياث الدين محمود ابن السلطان غياث الدين وأنه كتب إليه بالنيابة عنه بغزنة لشغله بأمر حران‏.‏وتسلم الخزائن من الوزير وسار إلى غزنة فدفن شهاب الدين بتربته في المدرسة التي أنشأها وذلك في شعبان من سنة إثنتين وستمائة وأقام بغزنة‏.‏مسير بهاء الدين سام إلى غزنة وموته وملك بهاء الدين ابنه بعده غزنة كان بهاء الدين قد أقطع باميان ابن عمه شمس الدين محمد بن مسعود عندما ملكها وأنكحه أخته فولدت ابنا هو سام وكان له ابن آخر من امرأة تركية اسمه عباس فلما مات ملك ابنه الأكبر عباس فغضب غياث الدين شهاب الدين لإبن أختهما وعزلوا عباساً وولوه مكانه على باميان فعظم شأنه وجمع الأموال وترشح للملك بعد أخواله لميل أمراء الغز إليه بعد أخواله‏.‏فلما قتل شهاب الدين كان في قلعة غزنة نائب اسمه أميردان فبعث ابنه إلى بهاء الدين محمود ابن السلطان غياث الدين وابن حرميل عامل هراة بحفظ أعمالها وإقامة الخطبة له بها‏.‏والغورية والأتراك على ما ذكرناه من الإختلاف فسار في عساكره إلى غزنة ومعه ابنا علاء الدين وأمرهما جميعاً بالمسير إلى غزنة وبلاد الهند‏.‏فلما مات ثار ابناه في غزنة وخرج أمراء الغورية لغياث الدين وتلقوهما والأتراك معهم مغلبين فملكوا البلد ونزلوا دار السلطنة مستهل رمضان من سنة إثنتين وستمائة واعتزم الأتراك على منعهم وعاد لهم الأمير مؤيد الملك لإشتغال غياث الدين منهم بابن حرميل عامل هراة فلم يرجعوا ونبذوا إلى علاء الدين وأخيه العهد وآذنوهما بالحرب إن لم يرجعا فبعثا إلى تاج الدين الذر وهو بإقطاعه يستدعيانه ويرغبانه بالأموال والمراتب السلطانية والترغيب في الدولة‏.‏

  استيلاء الذر على غزنة

كان الذر بكرمان لما بلغه مقتل شهاب الدين تسلم الأموال والخزائن من الوزير وأظهر دعوة غياث الدين ابن مولاه السلطان غياث الدين‏.‏وسار بهاء الدين سام من باميان كما ذكرنا‏.‏ومات في طريقه وملك ابنه علاء الدين غزنة كما ذكرنا واستعطف الأتراك وبعث إلى الذر يرغبه ويسترضيه فأبى من طاعته وأساء الرد عليه وسار عن كرمان في عساكر كثيفة من الترك والخلخ والغز وغيرهم‏.‏وبعث إلى علاء الدين وأخيه بالنذير فأرسل علاء الدين وزيره ووزير ابنه صلة إلى باميان وبلخ وترمذ ليحتشد العساكر وبعث الذر إلى الأتراك الذين بغزنة بأن مولاهم غياث الدين اجتمعت جماعة الغورية والأتراك فالتقوا في رمضان ونزع الأتراك إلى الذر فانهزم محمد بن حدورون وأسر‏.‏ودخل عسكر الذر المدينة فنهبوا بيوت الغورية والباميانية‏.‏واعتصم علاء الدين بالقلعة وخرج جلال الدين في عشرين فارساً إلى باميان وحاصر الذر القلعة حتى استأمن علاء الدين في المسير من غزنة إلى باميان‏.‏ولما نزل من القلعة تعرض له بعض الأتراك فأرجلوه عن فرسه وسلبوه فبعث إليه الذر بالمال والمركب والثياب فوصل إلى باميان فشرع في الإحتشاد وأقام الذر بغزنة يظهر طاعة غياث الدين ويترحم على شهاب الدين ولم يخطب له ولا لأحد‏.‏وقبض على داود والي القلعة بغزنة‏.‏وأحضر القضاة والفقهاء وكان رسول الخليفة مجد الدين أبو علي بن الربيع الشافعي مدرس النظامية ببغداد وفد على شهاب الدين رسولاً من قبل الخليفة وأحضره الذر ذلك اليوم وشاورهم بالجلوس على التخت والمخاطبة بالألقاب السلطانية‏.‏وأمضى ذلك واستوحش الترك حتى بي الكثير منهم وكان هناك جماعة من ولد ملوك الغور وسمرقند فأنفوا من خدمته وانصرفوا إلى علاء الدين وأخيه في باميان وأرسل غياث الدين محمود أن يصهر إليه في بنته بابنه فأبى من ذلك‏.‏ثم جاء في عسكر من الغوريين من باميان وأرسل غياث الدين وفرق في أهلها الأموال واستوزر مؤيد الملك فوزر له على كره‏.‏

  أخبار غياث الدين بعد مقتل عمه

لما قتل السلطان شهاب الدين كان غياث الدين محمود ابن أخيه السلطان غياث الدين في إقطاعه ببست‏.‏وكان شهاب الدين قد ولي على بلاد الغور علاء الدين محمد بن أبي علي من أكابر بيوت الغورية وكان إمامياً غالياً فسار إلى بيروزكوه يسابق إليها غياث الدين وكان الأمراء الغورية أميل إلى غياث الدين وكذا أهل بيروز كوه فلما دخل خوارزم دعا محمد المرغني ومحمد بن عثمان من أكابر الغورية واستحلفهم على قتال محمد بن تكش صاحب خوارزم‏.‏وأقام غياث الدين بمدينة بست ينتظر مال الأمر لصاحب باميان لأنهما كان بينهما العهد من أيام شهاب الدين إن تكون خراسان لغياث الدين وغزنة والهند لبهاء الدين صاحب باميان بعد موت شهاب الدين فلما بلغه موت شهاب الدين دعا لنفسه وجلس على الكرسي في رمضان سنة ثلاث وستمائة واستخلف الأمراء الذين في أثره فأدركوه وجاؤوا به وملك بيروزكوه وقبض على جماعه من أصحاب علاء الدين ولما دخل بيروزكوه جاء إلى الجامع فصلى فيه‏.‏ثم ركب إلى دار أبيه فسكنها وأعاد الرسوم وقدم عليه عبد الجبار محمد بن العشير إلى وزير أبيه فاستوزره واقتفى بأبيه في العدل والإحسان‏.‏ثم كاتب ابن حرميل بهراة ولاطفه في الطاعة وكان ابن حرميل لما بلغه مقتل السلطان بهراة خشي عادية خوارزم شاه في أعيان البلد وغيرهم واستحلفهم على الإنجاد والمساعدة وقال القاضي وابن زياد يحلف كل الناس إلا ابن غياث الدين وينتظر عسكر خوارزم شاه وشعر غياث الدين بذلك من بعض عيونه فاعتزم على المسير إلى هراة‏.‏واستشار ابن حرميل القاضي وابن زياد فأشارا عليه بطاعة غياث الدين على مكر ابن حرميل وميله إلى خوارزم شاه‏.‏وحثه على قصد هراة ليكون ذلك حجة عليه ففعل وبعث به مع ابن زياد‏.‏ثم كاتب غياث الدين صاحب الطالقان وصاحب مرو يستدعيهما فتوقفوا عن إجابته‏.‏فقال أهل مرو صاحبها‏:‏ إن لم تسلم البلد إلى غياث الدين وتتوجه وإلا سلمناك وقيدناك وأرسلناك إليه فاضطر إلى المجيء إلى فيروزكوه فخلع عليه غياث الدين ووفر له الإقطاع وأقطع الطالقان لسونج مولي أبيه المعروف بأمير شكار‏.‏

  استيلاء خوارزم شاه على بلد الغورية بخراسان

كان الحسن بن حرميل نائب الغورية بهراة منتقضاً عليهم كما ذكرنا ومداخلاً لخوارزم شاه في الباطن واستدعى العساكر من عنده وبعث ابن زياد يستوثق له من غياث الدين وأقام يقدم رجلاً ويؤخر أخرى‏.‏ووصل ابن زياد بالولاية والخلع فلم يثنه ذلك عما هو فيه من المكاذبة لهم‏.‏ثم وصل عسكر خوارزم شاه فتلقاهم وأكرمهم‏.‏وبلغه أن خوارزم شاه في أثرهم على أربع فراسخ من بلخ فندم في أمره ورد إليه عسكره وبلغ غياث الدين عسكر خوارزم شاه ووصولهم إلى هراة فاستدعى ابن حرميل فقبض على أملاكه ونكب أصحابه‏.‏ورد أقطاعه فاعتزم أهل هراة على القبض عليه‏.‏وكتب القاضي وابن زياد بذلك إلى غياث الدين‏.‏ونمي الخبر إلى ابن حرميل فخشي على نفسه منهم وأوهمهم أنه يكاتب غياث الدين وطلبهم في الكتاب مع رسوله وأوصى الرسول أن يعدل إلى طريق خوارزم شاه ولحق بهم فردهم وأصبحوا على البلد لرابعة يوم من سفر الرسول فأدخلهم ابن حرميل البلد وأمكنهم من أبوابها‏.‏وقبض على ابن زياد وسمله وأخرج القاضي فلحق بغياث الدين في بيروزكوه ونمي الخبر بذلك إلى غياث الدين فاعتزم على المسير بنفسه فبلغه سير علاء الدين صاحب باميان إلى غزنة فاقتصر عن ذلك وأقام ينتظر شأنه مع الذر‏.‏وأما بلخ فإن خوارزم شاه لما بلغه مقتل شهاب الدين أطلق أسرى الغوريين الذين كانوا عنده وخلع عليه واستألفهم‏.‏وبعث أخاه علي شاه في العساكر إلى بلخ فقاتله عمر بن الحسين الغوري نائبها‏.‏ونزل منها على أربعة فراسخ‏.‏وجاء خوارزم شاه مدداً بنفسه آخر سنة إثنتين وستمائة فحاصرها فاستمد عمر بن الحسين علاء الدين وجلال الدين من باميان وشغلوا عنه بغزنة فأقام خوارزم شاه محاصراً له أربعين يوماً وكان عنده محمد بن علي بن بشير وأطلقه في أسرى الغورية وأقطعه فبعثه إلى عمر بن الحسين صاحب بلخ في الطاعة فأبى من ذلك واعتزم خوار شاه على المسير إلى هراة‏.‏ثم بلغه ما وقع بين الذر وبين علاء الدين وجلال الدين وأن الذر أسرهما وأن عمر بن الحسين صاحب بلخ أبى ذلك فأعاد عليه ابن بشير فلم يزل ويفتل له في الذروة والغارب حتى أطاع صاحب خوارزم وخطب له‏.‏وخرج إليه فخلع عليه وأعاده إلى بلده في سلخ ربيع سنة ثلاث‏.‏ثم سار إلى جورقان ليحاصرها وبها علي بن أبي علي فوقعت المراوضة بينهما‏.‏ثم انصرف عن جورقان وتركها لإبن حرميل واستدعى عمر بن الحسين الغوري وصاحب بلخ فقبض عليه وبعثه إلى خوارزم ومضي إلى بلخ فملكها وولي عليها جعفراً التركي ورجع إلى خوارزم‏.‏